الثلاثاء، 5 مايو 2020

اضاءة من فاس المغربية



ذكريات مهرجان المسرح الجامعي في مدينة فاس والذي تنظمه رئاسة جامعة سيدي محمد بن عبدالله. كل الشكر والتقدير للقائمين على المهرجان الجميل وأصدقائه وخاصة الاستاذ الدكتور المسرحي الجميل سعيد الناجي روحا وأصالة.  
ان المهرجان المسرحي الجامعي هذا نموذج ثقافي رائد في المنطقة العربية وخاصة في ابراز وتنشيط وتمييز وصقل المواهب الطلابية الجامعية.
لقد كنت أعمل في ادارة الانشطة بكليات العلوم التطبقية وقدمت المقترح بتطوير العروض المسرحية وفصلها عن الاسابيع الثقافية لكليات التربية لتكون الايام المسرحية كفعالية مستقلة وعدها قدمت وسعيت لتحويلها وتطويرها بمقترح ضخم لينطلق بعدها المهرجان المسرحي الجامعي لكليات العلوم التطبيقية. بالحقيقة انه كان يمكن ان يكون افضل مما هو عليه بعشرات المرات لو وجد التفهم والدعم الحقيقي وليس حب الظهور والتسلق على اكتاف الاخرين. لقد كان تجربة مثرية اخرجت العديد من الاسماء المسرحية التي لها حضورها وشغفها بالمسرح والحياة والعطاء الثقافي ليس فقط على مستوى خشبة المسرح الجامعي وانما ايضا المسرح الوطني والدراما والتمثيل والإخراج.
لقد كان لدي تصور بأن يدا ويدا وثالثة يمكن ان تبني وترمم ما تفتقده الساقحة المحلية وهو الجانب الثقافي والفني وان نتاجات تلك الجهود سوف تثمر  على مر الاعوام حركة ثقافية وفنية لها حضورها ليس فقط المحلي وانما قد تمتد الى الخليجي والعربي وربما العالمي. ومن تجربة أكثر من عشرين عاما تهاوى ذلك التصور/الحلم لأسباب كثيرة ليس المقال هنا لذكرها.
اعادتني هذه الصورة/الذكرى لتلك الأيام. لنرفع القبعة عاليا للعاملين و للحالمين بالمسرح مضاءا ووقادا ومعبرا لرؤى وأحلام وحياة. اشير واحيي العزيز الدكتور سعيد الناجي وجامعته المرموقه لتجربتهم الرائدة والتي كافحت العدم بطريقتها الخاصة. فسلاما سلاما

الثلاثاء، 21 أبريل 2020



عن رواية مقتل بائع الكتب لسعد محمد رحيم






                        اقتنيت الرواية في هذه السنة 2020 من معرض مسقط الدولي للكتاب. وهي رواية تحمل رقم الطبعة الثالة عشرة، كانت ضمن أكداس الكتب التي اقتنيتها من سنوات ولم اجد وقتا لقراءتها، في الحجر المنزلي بسبب جائحة كورونا بدأت بها أمس وأنهيتها اليوم، كلما غصت بالرواية اكتشف كاتبا بارعا وجميلا، قبل الفصل الخامس بحثت عن الرواي في تويتر والعم جوجل لاسجل ملاحظاتي للكاتب في نقاط مختلفة كنت كعادتي ارسم تحت جملها خطا أو علامة ما، وجدت موقعه في تويتر واضفته لحسابي، في صفحته اكتشفت ان الكاتب الجميل الذي يبحث بصيغة الرواي في الرواية سبب مقتل بائع الكتب قد مات أيضا في العام 2018 بسكتة قلبية، احزنني الخبر واحسست بفقد ما، رغم اني لم التقه سابقا أو اقراء له.

                         تفاجأت في الفصل الثامن للرواية بعودة الحياة والنقد الدراماتيكي لسيرة بائع الكتب المقتول كتقييم للمشهد وسيرورة الحكاية في الرواية، أيضا هذا الفصل يحكي عن تقييم تجربة المرزوق من وجهة نظر أحد اصحابه الذي ابتعد عنه واكتشف الضباب الذي كان يعمي بصيرته، ربما بصوت حاقد أو ناقم او ناقد موضوعي ولكن ما يجعل هذا الفصل مهما في رأيي ومن خلال تجارب مشابهة هي القدرة التقييمية لبطل الرواية؛ ايضا القدرة على نقد التاريخ والصورة النمطية لابطال ربما توهمنا انهم مثال لابطال نضال أو معتنقي أفكارا تغييرية للواقع والمعاش وبمعنى اكبر لاشخاص ربما يحملون حلما ورؤية وهم غير ذلك او لم يكونوا هكذا ابدا، وددت لو استطيع ان اهدي كافة اصدقائي او من كانوا اصدقائي يوما - وتبعنا كالمجانيين فلان او علان على انه الايقونة والنقطة المركزية وهو المحرك وكم يكون محزنا بعدها رؤية الحقيقة عارية – نسخة من الفصل الثامن من هذه الرواية.

                    نقطة اخرى ضمن نقاط اثارتها الرواية ولها اسبابها الدراماتيكية والاجتماعية والسياسية والثقافية، نقطة مهمة لا زلنا نعاني منها الى اليوم، لا نزال اسرى الاخر المختلف حتى في اقرب الأشياء للانسان، كم هو محزن ورخو وعقيم هذا الوضع الانساني، وجد الراوي عبر المرزوق بطل الرواية أن الاخير لم يعرف الحب او هكذا التبس على بطل الرواية الا مع بنات الغرب والمدن الغربية التي تنطبق عليها اشياء كثيرة منها الجيد ومنها الغير جيد كمدن تحب الحياة بينما لا تزال مدننا وانساننا يضغطه الحمل الاجتماعي والثقافي والديني عنها، توجد اشارات بالرواية حول موسم الهجرة الى الشمال للطيب صالح وهي تحكي قصة الرجل الذي يجد في الغرب اشباعا لما ينقصه بينما يغلف المجتمع الشرقي الموت لكل طريق في محاكاة الحب الغربي، لا ينجر الكاتب رحمه الله الى تعريفات الحب ولكنه يرسم الصورة النمطية التي تعيشها المجتمعات الشرقية الى اليوم في صدامها مع المفاهيم واحتياجات الانسان، ان رسم صورة الحب على ذلك المنوال من العلاقات المفتوحة لا يمكن له التحقق الكامل في ثقافتنا وعلى حدود تاريخنا وما يحركنا، ذلك الجانب المظلم من ذواتنا وعدم القدرة على المكاشفة به مع ذاتنا قبل الاخرين، نسميه جنون وخيانات ونسميه حب وشغف وغيرها من التوابل وهي تخضع لاحتياجات الحيواني قبل الانساني فينا، قبل ايام ذكر صديق انه شاهد "انجليزية" او انها "امريكية" وقد وصفها بالغربية الشقراء في مقهى وسرعان ما حاول أن يتعرف عليها ولم تكن حسب توقعاته بأن تفتح وتستهل الحديث معه كأنه صديقها الاقرب، لماذا هذا الهروب، لم أشأ أن اقول له عقدة الخواجه، ولو أنها ولو في جانب منها حقيقه، انه يبحث في تخيل ما رسمه له الاعلام والتعليم والسينما والتلفاز ولو لم يكن حقيقيا، لقد ابتعد عن مكانه الصحيح في سعي عادة لا يكون متوافقا مع ما هو عليه ولا يمكنه ولو أراد الانخراط من شرقيته وأناه التي لا يحب ولا يرضى فانه لا يمكنه ان يكون اشقرا مثلهم ليس في اللون فقط وانما في السلوك والمفاهيم والاعراف والتقاليد والثقافة عموما.
               

                      المنحى عادة هو ان ابطال الروايات يجدون الحياة والحب والاحتضان وو.. في الغرب ولو في رسم علاقتنا بذلك المختلف حتما هو رسم له ابعاده الاجتماعية والثقافية والحضارية وهو ايضا توثيق لتاريخانية اللحظة وجبروتها، وهذه نقطة مهمة لم تتغير قبل كتابات طه حسين والمنفلوطي ومع الطيب صالح ومع سعد محمد رحيم، انه الثقب\النقص الجارف او من جهة اخرى الطغيان الاصولي او التقهقر المجتمعي الثقافي، سمه ما شئت ولكن لتكن نقطة اصيلة في حضور المتابع.

                     اعجبتني الرواية لاضائتها ولو بصورة بسيطة ما حل ببعقوبة وبالعراق، انها توثق من وجهة نظر القارئ لرؤية كاتب أجاد رسم المشاهد وتفاعلاتها واثارها، انها ليس مقتل بائع الكتب فقط وانما مقتل الحياة باختلاف الازمنة والتجارب التي مرت بها تلك البقعة الغالية علينا واسمها العراق، مقتل الانساني والجميل فينا.


الثلاثاء، 4 فبراير 2020

انشاء مركز دولي لتدريب الدراجين العمانيين





عنونت جريدة عمان أمس الثلاثاء 4 فبراير 2020 بالصفحة الرئيسية خبر انشاء مركز دولي لتدريب الدراجين العمانيين وذلك خلال استقبال صاحب السمو السيد فهد بن محمود ال سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء أمس سعادة ديفيد لابرتينت، رئيس الاتحاد الدولي للدراجات الهوائية.
بداية الخبر كتقييم لموضوعه جيد ويصب في دعم رياضة مهمة وتأصيل ثقافة مهمة أيضا وهي رياضة ركوب الدراجات في سلطنة عمان، الخبر يتطرق حول الإشادة بسباق طواف عمان السنوي الذي ينظم ضمن فعاليات مهرجان مسقط منذ ما يزيد عن العشر سنوات الماضية، وهو الحدث الذي يلقى اهتماما –حسب ما يفيدنا الاعلام– اهتماما دوليا ووضع السلطنة كأحد الوجهات المميزة التي تستضيف فيه سباق عالمي سنوي، كل ما سبق جيد ومبشر برؤية وإرادة من القيادات العليا بأهمية رياضة ركوب الدراجات بالبلد.
لتدعيم هذه الرؤية والمركز الدولي المزمع اقامته لتدريب الدراجين العمانيين يجب ان نقف على عدة محاور أو جوانب مهمة، لن أبدأ في السيرة التاريخية لركوب الدراجات في السلطنة لعدة أسباب أولها لأني لا ألم بها وثانيها لعدم وجود مادة تاريخية سهلة الوصول للمتابع وليس آخرها أيضا انني لست بصدد ذلك أو أهدف لذلك.
من خلال التجربة التي نفتخر بها في السلطنة في سباق طواف عمان السنوي العالمي لركوب الدراجات ومن خلال معطياته ونتائجه فانه يمكن القول بأنه غالبا القرارات التي تأتي من أعلى السلطة بعمل سباق أو انشاء مركز دولي أو غيرها من القرارات التي تسعى لتأصيل وفتح المجال واسعا لهذه الرياضة فأنها عادة أو غالبا لا تلامس القاع او المجتمع بعمومه لأسباب كثيرة سأورد بعضها تباعا.
 لقد مرت أكثر من عشر سنوات على سباق طواف عمان للدرجات كما أسلفت أعلاه ولم يتكون لدينا فريق وطني واحد شارك في أي سباق من تلك السباقات التي نفذت على مدار تلك الأعوام، بل لم يشارك في السباق حسب معلوماتي التي أتمنى ان تكون دقيقة أي فريق خليجي أو فريق عربي أو فريق آسيوي أو فريق أفريقي، ظل الأمر مقصورا على الدول الغربية الاوربية منها والأمريكية والكندية والاسترالية، هل هذه الرياضة مقصورة على هذه الدول فقط لمدة عشر سنوات، أعتقد أن السبب يعود إلى الشركة المنفذة والمتعاقد معها، فهي شركة فرنسية، كما أننا إلى اليوم لا نعلم عن قيمة جوائزها المالية.
 أيضا ورغم أهمية دعم هذه الرياضة وتعريف المجتمع بها وأهميتها في الصحة واللياقة وتقليل استخدام الوقود والمحافظة على البيئة إلا انه لا توجد فضاءات أو أرصفة آمنة بالشوارع لممارستها ولا توجد قوانيين لتنظيمها ولا توجد حتى مسابقات سنوية للفرق والأندية على مستوى السلطنة أو المحافظات أو الولايات بصورة دورية ومستمرة، كما لا توجد هذه الرياضة بأنشطة المدارس أو الجامعات أو المجتمع.
سأحكي قصة مجموعة من راكبي الدراجات الهوائية الذين كانوا وكنت منهم يركبون تلك الدراجات لمسافات ليس طويلة في ولاية العامرات بعد الإفطار أيام شهر رمضان، كان خط سير الفريق المتكون بالصدفة من العامرات باتجاه ولاية قريات، وكنا نسير على كتف الطريق الذي يمتلئ بالحفر مرتدين القمصان الفسفورية وملمعين دراجاتنا بالفسفور لتنبيه السائقين، ومع هذا واضبنا على ذلك، وذات مساء لم أذهب معهم لارتباط ما، طحنت شاحنة كبيرة كل أعضاء الفريق، ومن يومها تقبع دراجتي وقد غطاها التراب في مخزن المنزل.
قصة أخرى ذات علاقة، في المملكة المتحدة وقبل سنوات دفعت مبلغا رمزيا لدورة في تعليم ركوب الدراجات الهوائية لتشارك بها ابنتي ضمن الأنشطة المدرسية التي كانت المدرسة تقوم بها، كان هناك مدربين معتمدين ومحترفين، أكملت ابتني الدورة لمدة شهر ونيف داخل أسوار المدرسة مع نظرائها ونظيراتها وبعد شهر وبقيادة مجموعة من المدربين نزلوا بهم الي الشارع، كانت تجربة رائعة حصلت منها ابنتي على شهادة مبتدئ في قيادة الدراجات الهوائية.
قصة أخيرة، أخذت لإبني الصغير الذي لم يتجاوز الست سنوات دراجة هوائية، اخذته معي ليقودها في فترة العصر التي كنت أقضيها في رياضة المشي بالحديقة في المدينة، ورغم إنه يرتدي خوذة وفرح بدارجته إلا ان حارس تلك الحديقة أرجعنا وإن الأمر ممنوع وعندما ناقشته أشار الى لوحة تنبيهية كبيرة بجانب مدخل الحديقة كان فيها بأنه يمنع أصحاب الدراجات بالحديقة، اضطررت الي إرجاع الدراجة للسيارة وطيلة ذلك المساء بان الحزن على وجه ابني الصغير.

من مجموع القصص والنقاط السابقة سيكون جيدا أن تغير سياسة إدارة الموضوع، فبدلا من ان تكون من أعلى الهرم/ السلطة أن تنبع من المجتمع ومدارسه وقوانينه وتخطيط شوارعه ودعم التجارب الناجحة وعمل حملات ومسيرات بالدراجات الهوائية وأن تشجع الأندية والفرق والمدارس على إقامة ودعم هذه الرياضة، لتنمو الجذور وتخرج السيقان والأوراق وتؤتى الثمار فيما بعد.