الثلاثاء، 8 مارس 2022

 

كويلي وجوجا جومبا وحفل الأوتاكو السري ...

إنهم يرقصون كبشر يثيرون الاهتمام

 

سلطان العزري




 

        تقدم الاديبة والباحثة التربوية بثينة الشيدي في كتابها الجديد والذي صدر هذا العام " بشر يثيرون الاهتمام" رؤية جديدة وجديرة بالاطلاع والقراءة والنقاش، ومن خلال معرفة أن الكاتبة شاعرة ولها ديوان شعري وهي أيضا مدربة استشارية تربوية لها خبرة في الاستشارات تتجاوز العشر سنوات، مهتمة في نشاطها التربوي بالجيل الرقمي وآليات تقليص الفجوة بينه وبين القائمين على عملية التنشئة، وكذلك في علم الاعصاب التربوي ونظرياته المساندة لتعزيز قدرات الأطفال وحل مشاكلهم وتجاوزهم للتحديات المبنية على المعتقدات وطرق التفكير.




        الكتاب يتناول القضايا المهمة لجيل الشباب ويعكس بشغف الفجوة التي توجد بين الجيل الجديد وذلك الذي ينتمي اليه الجيل الأكبر منه، الفجوة التي أحدثها العالم الرقمي والفضاء الالكتروني والافتراضي، الفجوة بين آليات التواصل والتفاهم بين الابن ووالديه أو محيطه، ما هي القيم والاهتمامات التي تقوم عليها وتتابعها بشغف أجيال اليوم؟، الكتاب ينقل القارئ بيسر وسهولة بين قصة ورؤية وأخرى، مجموعة من السرديات لقصص من الواقع، لماذا كبيرة وأيضا احتمالات إجابات كبيرة، لكل المهتمين لفهم الفجوة وما تحدثه التكنولوجيا والانترنت من تحريك لمجموعة القيم والعادات والتقاليد والماء الراكد وكيف يمكن للاسر ان تتفهم وان تعزز أو تظل في صراعها التقليدي مع الأجيال القادمة.



        كويلي ليس عابرا أو منافيا لأخلاقنا وقيمنا، إنه نتاج بيئتنا، نتاج ثقافة قادمة ستكون رائدة في المستقبل، انهم جيل التقنية والفضاء الالكتروني، هذا الفضاء الرحب واللامحدود إذا لم نتمكن من ملء جرارنا به ومنه فإننا وكما هو الآن سنظل نملأ جرارنا ودلائنا من محتوى الاخرين وابداعهم، كويلي استطاع وبمهارة الجيل الجديد من تسيد الموقف ومن احتوى أكثر من 5 مليون متابع ومن عمل زحمة مطردة ضيقت على الناشرين والكتاب والمنظمين والاداريين والمنفذين التقليدين، إنه جيل الجيمر واليوتيوب والأوتاكو السري وجوجا جومبا ...


قرئت الكتاب وأنا فرح به لمروري بالكثير من المواقف الحياتية والأزمات بين ما يطالب به اطفالي وبين ما اتصوره إنه هو الصحيح، كم كنت ضيق التفكير ومغلق على الأنماط الجديدة في البحث والعلم والمتابع والثقافة العامة لأجيال المستقبل، اعطاني الكتاب رؤيته وفتح مداركي لما كنت عليه كوالد وكرب اسرة، استطعت او ادعي ذلك أو سأحاول أن اكونه: إني متفهم لهذه الثقافة ويمكن ان اتعامل معها ولا اتركها تتجاوزني لعوالم ومراحل أكثر غرابة.

        تنتقي الشيدية كلماتها بدقة؛ فمن العنوان " بشر يثيرون الاهتمام" يبدأ الجذب والتشويق لما يحمله الكتاب، لتعرج بنا الكاتبة في مسارات وزوايا الفتية والمراهقين وسردهم ورؤيتهم لمرحلة حياتهم الحالية؛ فنجد هذا المقطع بلسان فتى لم يحدد بعمر ولكننا نفهم ذلك من سياق الفصل الأول حيث يقول" إننا نريد من مدارسنا.. أن تمحو أمية آبائنا التقنية، وأن يكون تطورها سببا لثقة آبائنا بإمكاناتنا ومهاراتنا ... أن تكون سببا في تجهيزنا لمستقبل أفضل، ومستقبل صناعات أفضل لبلادنا.. مستقبل يكون فيه الذكاء الاصطناعي ليس أدوات ترفيه لنا بل لخلق اقتصاد ينقذ هؤلاء الشباب من أن يتظاهروا في الشوارع كحالهم اليوم "؛ ويعنون الفصل الأول بالمدارس هي التي أخرتنا، وهي جملة من سياق مراهق له نظرته وحلمه حول طبيعة المدرسة التقليدية مع وسائل التواصل والحصول على المعلومة الحديثة وبناء المعرفة والابتكار وتفهم رؤية وطرح الأجيال القادمة، ويطرح الفصل سؤال مهم للمتلقي حول مدى قياس قدرة المدارس على تفهم الفجوات والعالم الافتراضي بوسائل وطرق تقليدية وهو مهم جدا للانتباه الى التسارع الضخم والشامل في بناء المعرفة وطرقها وكيف يمكن للمدرسة ان تكون وعاء لذلك او ان تكون معرقلة لذلك؟ ويدخل الفصل الثاني بعنوان أكثر اثارة " الفارغون كعلب الأحذية" وفيه يتبدى بلسان الجيل الجديد من الفتية " ان الخيال الذي نمتلكه هو الذ يشعرنا بالغضب والرغبة في التمرد على الإعادة والتكرار"، وهناك فصل يتحدث عن الاوتاكو الياباني وآخر عن K-pop الكوري من منظور المراهقين والجيل القادم.







        تذكرت زيارتي الاخيرة لكوريا قبل سنتين وكيف ان اغاني K-pop الكورية استطاعت ان تغزو جيل المراهقين والفتية في العالم واستطاعت الفرق الكورية المراهقة ان تعزز ارباحها السنوية الى اكثر من 600 مليون دولار، وربطت ذلك بالاقتصاد البنفسجي القائم القائم على الثقافة التي هي في الحقيقة منتج يمكن تسويقه واذا تصادف هوى وقدرة على تلبية احتياجات المتابعين والعالم سيصبح منتجا مرغوبا وقادرا على در الذهب لمنتجيه. 



        يتضمن الكتاب ثلاثة عشر فصلا تروي ما يعانيه جيل الشباب القادم من جيل الشباب الذاهب والجيل الذي أكبر منه، إنها فصول تفتح آفاق الفهم والاحتواء لكافة المربين من أسر ومختصين، بالإضافة الى رسالة في نهاية الكتاب بلسان مراهق لوالديه ليشرح لهم ما يحدث وما اتاحه من فرصة ومساحة لإبداعاته واختلافه.


        الكتاب يناقش الحاضر والمستقبل ولا يعيش على تاريخانية الماضي فينا، كتبته شاعرة بروح تربوية خبيرة، تقول في جمل منه " نحن محتاجون للاغنية التي تلهمنا وتشبهنا معا" وفي موضات اليافعين تقول " صحيح انهم مختلفون ولكنهم قادرون على صنع شيء في هذا العالم ... فيما أظنهم أنهم يحاولون ككل الفتيان تقبل ذواتهم، وحب ملامحهم وتقاسيم أجسادهم... لماذا يرفضون الكبار إذن؟"، في ختام هذه الاطلالة السريعة، اعتقد ان مرور هذا الكتاب على يديك كوالد او والدة وكمربي او معلم أو مسؤول سيساهم في فتح افاقك ومداركك ويعطيك لمحة لما يفرضه عالم الانترنت والعالم الافتراضي الذي يعيش فيه ابنك او ابنتك ومن يقابل وكيف يلبس وماذا وكيف يفكر؟، لحظتها لن تحكم على جيل كامل بالانسلاخ من قيمه ومبادئه وانما ستحاول ردم الهوة القائمة وسد الفراغات بينكما.