الخميس، 12 يناير 2017

أسد البحار على كورنيش مطرح..

سلطان العزري
12/1/2017

تتشح المدن الحديثة بالعديد من المجسمات والتماثيل في شوارعها وبين أهم معالمها الحضارية والجمالية والتاريخية وكذلك وسط ساحاتها العامة مما يساهم في خلق فضاءات وفنون بصرية مفتوحة ذات أبعاد مختلفة. وتحتفي العديد من البلدان بنماذجها التاريخية من خلال تلك التماثيل والمجسمات لتبقى شاهدا وذاكرة في قلوب وعقول الأجيال. وتعمل التماثيل والمجسمات على تحقيق العديد من الأهداف المختلفة مثل غرس قيم النبالة والتميز في مختلف العلوم والفنون حيث تشجع الناس على احترام هؤلاء الأشخاص وتقدير مساهمتهم سواء أكانت في الحياة العلمية أو الاجتماعية أو العامة.. الخ. كما تساهم المجسمات والتماثيل في ربط الأنسان بالمكان وبالهوية الوطنية.  وتعمل المجسمات والتماثيل كذاكرة جمعية لحدث ما أو فعالية أو قصة ما.



القيمة الكامنة وراء انتشار التماثيل والمجسمات وأماكن اختيارها تتعدى ذلك لتغدو ثراءا بصريا وتوثيقا تاريخيا ومحفزا معنويا للعمل والاهتمامات وكذلك الابداع وهو ما تحتاجه الحضارات والامم لتكوّن إرثها وتاريخها ومعالمها.

وبما ان سلطنة عمان تزخر بالعديد من قصص النجاح تاريخيا وبالعديد من التجارب المعاصرة التي عادة يهضم الاعلام حقها فأنه من المهم أن تجد هذه القصص والملاحم والتجارب حيزا لها وسط حياة الناس لتشكيل ذائقة وروح المكان وبالتالي الذاكرة الجمعية للناس. وعند النظر للنماذج التي يمكن تمثيلها والاشادة فيها لا تخلو بلد الابطال هذه من تلك القصص العظيمة، القصص الجيدة والجميلة التي مرت تاريخيا على هذه الأرض وتلك التي لا تزال حية قائمة بيننا.

عادة يتم الاحتفاء بالبشر بعد موتهم في محاولة لتخليد ذكراهم، لكن ماذا يمنع ان يتم تذكرهم وهم احياء بيننا وذلك للمساهمة في خلق النموذج، يمكن لهذه المجسمات والتماثيل ان تكون نموذجا يحتذى به كالأبطال الرياضيين والفنانين الكبار والمبدعين من الادباء والباحثين او العلماء أو كل ما يجسد تطورا أو أضافة للهوية الوطنية أو الإنسانية. بمثل هذا الفكر تساهم في خلق فضاء آخر للناس، فضاء يلهم ويشجع الاخرين للعطاء، يساعد في رؤية التقدير لتلك الجهود التي تبني اللبنات في كل مكان.

لن اتطرق للناحية الدينية التي قد تحرم التماثيل ولكنها قد تسمح بالمجسمات فشوارعنا ومدينتنا مليئة بالمجسمات بينما تخلو منها التماثيل بصورة كاملة. قد يحرم مجسما لامرأة تعزف على القانون وقد يحلل مجسم لعام ما أو وزارة ما أو فعالية ما.. الخ ولا يبدي امتعاض ما منه. ان أناس وثقافة وطبيعة الحياة المعاصرة لليومي والآني لن تسمح بعبادة التماثيل والمجسمات وذلك لأنها - اي الحياة - بكل عنفوانها تسير في مخاض تحطيم الأوثان والتابوهات أيا كانت، إذ لا يوجد تخوف لظهور فريق يعبد تلك التماثيل التي يمكن ان تنتصب بين أروقة المدن وشوارعها.

معالجتي للموضوع تنبع من أهمية الفنون البصرية واهمية خلق الذاكرة الجمعية القادرة على الاحتفاء، أيضا تنطلق من موضوع خلق النموذج للأجيال، انه نوعا من تحقيق الإنجازات والتأكيد عليها.


 سأضرب نموذجا بشخصية حية يمكن تكريمها ماديا ومعنويا ووضع تمثال لها في إحدى الأماكن الهامة. هذا النموذج يمثل حدثا استثنائيا في مجاله، ويمثل نموذجا جيدا للأجيال القادمة للاحتذاء به، أنه العداء العماني محمد بن عامر المالكي والذي حصل على العديد من الجوائز العالمية ورفع اسم السلطنة عاليا في العديد من المحافل العالمية وذلك منذ سنوات طويلة ومع بدايات عصر النهضة. ومن هذه الإنجازات في سباقات الاربعمائة متر حصوله على الجائزة الذهبية الاسيوية عام 1990 بالصين وحصوله على الجائزة الذهبية العربية 1989 في مصر وحصوله على الجائزة الفضية الاسيوية 1989 في نيودلهي بالصين وحصوله على الميدالية الذهبية الخليجية في قطر عام 1988م ووصوله لنهائيات دورة الألعاب الأولمبية في كوريا عام 1988 وحصوله على ذهبية الألعاب الاسيوية في سنغافورة عام 1987 وذهبية الألعاب الأولمبية في الجزائر عام 1987 والعديد العديد من الإنجازات والمراكز الأولى في سباقات 400م.

المالكي وبالنظر لظروف زمانه من إمكانيات مادية وخدمات فنية تتعلق برياضة سباقات الركض يكون قد تجاوز كافة تلك العراقيل ليرفع عاليا اسم المنجز العماني، وبالمقارنة مع السعي الحديث للدول لامتلاك اشخاص ذو مهارات وقدرات كالمالكي لكي تحقق تلك الدول اسمها في مثل هذه المحافل فان وطننا قد حاز على هذا النموذج المشرف الذي يمكن ان يخلق منه شهادة للتاريخ وللمكان على قدرة الأجيال الحالية والقادمة على صناعة الفرق والحضور بين مصاف الأمم، كما يمكن ان يساهم في اضاءة مساحات من الاهتمامات المحمودة للأجيال كالاهتمام بالرياضة والتعلق بها ومتابعتها والسعي لجعلها ضمن الأعمال اليومية الروتينية مما يساهم في تخفيض كلفة الحياة العامة من مستشفيات وأمراض واهتمامات غير مرغوبة للشباب. كما يساهم نموذج المالكي في التطلع للإنجاز الوطني.

ان تكريم المالكي وغيره من النماذج الحية بيننا تكريما ماديا ومعنويا ليس فقط عمل حضاري للوطن ولكنه أيضا مساهمة جادة ومتميزة في النماذج التي يمكن الاحتذاء بها في مسيرة الوطن الكبيرة، لتبق عمان عالية بنماذجها المشرقة والمشرفة، أيضا لكسر الاحتكار المادي الصرف حيث أصبحت القيمة الفعلية في هذا العصر للشخص الذي يمتلك مالا ومبان وسيارات وليس للذي يحقق إنجازات لا مادية ويساهم في تشكيل الهوية المعاصرة الفاعلة وهو في حقيقة الامر ما يتبقى من رصيد حقيقي لقياس المنجزات والنهضة والتطور.



تتعدد النماذج الكثيرة المهمة في خريطة الوطن التاريخية والفنية والدينية والعلمية والأدبية والثقافية.. الخ، التي يمكن أن تبث شيئا من روحها في تماثيل تخلد ذكراها، فمن التاريخ هناك العديد من الأساطين والأئمة والقادة العسكريين والسياسيين والأدباء وغيرهم كمنارات شامخة لهذا الوطن. فمثلا يمكن عمل تمثال لشهاب الدين أحمد بن ماجد أسد البحار على دوار كورنيش مسقط وهو يحمل إسطرلابا أو خيطا ذو عقد لقياس المسافات بينما يشخص ببصره نحو النجوم ... كم نحن اثرياء بهذه النماذج ولكننا نحتاج إلى أن نزيح خوفنا وفهمنا لها ورؤيتنا لضرورة حضورها بيننا مجسمة كتماثيل.

الاثنين، 2 يناير 2017

ربط مكتبات مؤسسات التعليم العالي



نظمت وزارة التعليم العالي حلقة عمل حول مشروع ربط مؤسسات التعليم العالي الحكومية والخاصة بالسلطنة الكترونيا وذلك بهدف ربط المؤسسات التعليمية الحكومية والخاصة بقاعدة بيانات مركزية تتضمن أهم البيانات التي تخص المؤسسة التعليمية والتي تشمل البيانات المالية والأكاديمية والبنية الأساسية. ما سبق هو مقتطف من خبر حول الموضوع المشار اليه أعلاه. وما يهمني وربما يهم اخرين كثر وخاصة الأكاديميين والباحثين والدراسات العليا هو قدرة هذا المشروع في حال انه أبصر النور ليس فقط تسهيل عملية تبادل المعلومات ودقتها وشفافيتها وهذه مهمة ولكن الأهم فيها هو ما يتعلق بلب العملية والمؤسسة الاكاديمية ذاتها وهو البحوث والدراسات والمكتبات وعملية ربطها بنظام قادر وسهل للباحث والدارس والطالب لتبادل أخر ما وصلت له المعرفة والدراسات في مجال ما.

حين كنت طالب دراسات عليا في المملكة المتحدة. حيث ان نظام البحث والدراسة قائما أساسا على البحث واداوته وحقوق الملكية الفكرية وغيرها من المفاهيم والنظم الخاصة بتطوير البحث والحياة الاكاديمية والعلمية لمنتسبي القطاع العلمي. كانت المكتبات هي الرئة التي يتنفس من خلالها الجميع، المكتبات تربط بنظام الكتروني يسهل للطالب والباحث والأكاديمي والمنتسب للاستفادة من خدمات تلك المكتبات الكترونيا وهي بدورها مرتبطة بمكتبات بريطانية وكذلك أمريكية وأخرى أسترالية مما ساهم في معرفة اخر التطورات والبحوث والدراسات المتعلقة بنظام المعرفة وأيضا بكافة العناوين والكتب والمجلات والمقالات وغيرها مما له علاقة بموضوع البحث والدراسة. هذا يوفر الكثير من الجهد البحثي في الوقت وفي الزمن وفي المادة العلمية المقدمة حول موضوع ما.




تأتي أهمية ربط المكتبات بنظام واحد هو القدرة على ربط اخر النتائج والدراسات والعلوم وحيث ان مسيرة العلم تراكمية فإنها تساهم بدورها في تسريع هذه العملية والدخول في نظام المعرفة واقتصاد السوق والتطور البناء في فهم وحل المشكلات العلمية والعملية في مختلف المجالات والظواهر لمجتمع ما.



السؤال المطروح حول مدى قدرة مشروع كهذا على التحقق ومدى قدرة القائمين عليه على دعمه والتفاني في إنجازه مما سيساهم مستقبلا في تحقيق الكثير من القفزات النوعية والكمية على عدة اصعدة. وسؤال اخر مهم في ذات السياق حول إمكانية ان تكون المعرفة عامة بحيث يمكن لكافة الأشخاص حسب نظام معين المشاركة في تقاسم تلك العلوم والمعارف والحوث والدراسات.

طاقات الدراسات العليا المهدرة


من الحكم العملية التي ربما تتناسب أكثر مع الوضع الراهن تلك الحكمة التي تقول "دائما لا تبني طموحات عالية". الطموحات العالية تبني احيانا على الجانب النظري أكثر عن الجانب العملي والتطبيقي. نجد مثلا في التخطيط ان شعار شركة ما شعار منافس وجد حالم أو مستقبلي، في حين ان الحقيقة غير ذلك، الواقع امر مختلف وتطبيق ذلك الشعار هو نوع من الخيال المحض، يصبح هناك فراغ كبير بين النظري والتطبيق، بين الواقعي والحلم. يتجلى ذلك الفراغ في عدة مستويات تصل أحيانا بين هرم السلطة التنفيذية في مؤسسة ما وبين ليس المتلقين فقط وانما الدرجات المتوسطة والسفلى في القيادات داخل ذات المؤسسة.


ما سبق مقدمة سريعة لموضوع ما تضعه من أهداف وطموحات وبين ما يمكن تحقيقه سواء على المستوى الفردي او على المستوى الجماعي كالمجموعات او المؤسسات. بما ان العلم عملية تراكمية تكون أكثر نجاحا حين يتم ربطها بالمجتمع وبالتالي يربط العلم بالمجتمع وهذه عملية أخرى ضمن سلسلة ربط المعرفة بالمجتمع.

سألني صاحبي الذي تعرفت عليه مع مقاعد الدراسة وبين أروقة الجامعة عن رسالة الماجستير التي اعددتها رغم جدة وحداثة واهمية موضوعها إذا كان أحد ما قد سأل او ألتفت اليها أو أنها يمكن أن تكون قد أضافت شيئا أو غيرت أمرا، لم يتفاجأ كثيرا عندما نفيت أن كان أحدا ما قد سألني عنها أو حتى عن موضوعها، طبعا هو أيضا يشاطرني هذا الهاجس الذي بسببه أفنى سنة من عمره الأكاديمي والبحثي لتطوير قطاع ما في عمله وعندما عاد لم يسئله أحد ما أو حتى يستمع له.

تضيع هذه المعارف والخبرات البحثية هباء دون النظر اليها او محاولة ربط سياقاتها بالمجتمع لكي ينمو ويخضر أكثر في حين ان السياقات العلمية والأكاديمية والمجتمعية تبقى ثابتة يتغير العالم من حولنا بسرعة مدهشة.

الخبرات والمعارف الاكاديمية التي تؤسس للواقع لا تعمل هنا لعدة أسباب من أهمها اهمال دور العلم والمعرفة وجعل دورها في اخر ركب القافلة والسير على العادة والطريقة القديمة. لا تزال الأمور والأوضاع تدار بالعقليات القديمة وبالطرق القديمة وبالأساليب القديمة، تموت المعرفة والعلوم عند اقدام الجهل النابت والمترسخة جذوره، كل شيء يحاصر المعرفة والتطوير والبحوث والإفادة منها. هناك طرق شتى مختلفة للافادة من تلك الدراسات والبحوث سواء على الصعيد العملي ام الاكاديمي او الصعيد الشخصي المعاش، انها نوع من ثراء الحياة والاهتمامات، في اقل التقدير القدرة على توزيع كثافة مجالات البحوث والدراسات لمناطق الاهتمام المختلفة والخروج بدراسات حول تلك المسارات النظرية والتطبيقية. ربط العلمي بالعملي المعاش والذي عادة يحاول ايجاد حلول لمشاكل أو صعوبات او تسليط الضوء على ظواهر معينة او مختلفة.

 فما جدوى تكملة الدراسات الجامعية من مرحلة الماجستير او الدكتوراه في حين عدم وجود مؤسسة تعنى بجمع هذه البحوث والدراسات المتفرقة والتي تعتبر من اهم الكنوز القومية إذا كانت تسلط الضوء على ظواهر ومشكلات محلية ووطنية وتطرح لها اقتراحات وحلول، في اعتقادي الشخصي ان هذه البحوث والدراسات اهم من الوثائق والمخطوطات التاريخية لأنها تعنى بالحاضر وبالواقع ولأنها أيضا تساهم او يفترض انها تساهم في البناء الحديث لمجتمعات تنمو أو يفترض انها تنمو أو تسعى لان تنمو على الأقل. 

أيضا يرتبط اقتصاد اليوم بالاقتصاد القائم على المعرفة وفي حين تنفق الدول المتقدمة نصيب وافر من ميزانياتها في دعم وتطوير البنية البحثية والأكاديمية وطرق ومؤسسات الأبحاث والدراسات نجد ان هناك دولا تعتبر هذه المعرفة اخر أولوياتها حيث لا تجد للخبرات العلمية بها أو المهنية وكذلك للبحوث التي تزيد من المعرفة في هذا الجانب الا المخازن.

الأسئلة مشرعة أبوابها حول الاستفادة من الخبرات والدراسات وما توصلت اليه والتي بالتأكيد تسير في سياقات معرفية تدعم التطور والنضج والفهم للظواهر والقضايا والمواضيع المختلفة. كيف يمكن تفعيل دور الدراسات العليا في المجتمع وكيف يمكن الاستفادة من نتائجها وتجاربها في تحديث وتطوير البنية الإدارية والفنية والعملية لقطاعات الاعمال؟ وهل هناك اهتمام فعلي ومؤمن بهذه الدراسات العليا وفاعليتها؟ أم سيظل هذا القطاع غير فعال ومهدر لطاقاته وامكانياته.

سأقدم هنا مثالا لفكرة يمكن ان تساهم في نشر الثقافة العلمية في المجتمع، فكما هو معروف بأنه خلال السنوات العشر الماضية نشطت البعثات الخارجية للطلبة في مجالات الدراسات العليا بمرحلتي الماجستير والدكتوراة، ايضا تعددت المشارب والاتجاهات التي تم ارسال تلك البعثات اليها، تلك البعثات هي احدى الجوانب التي يفترض بها ان تعود وتضيف لقطاعتها من افكار ومشاريع وخبرات جديدة، ينبع عندها سؤال من قبيل قدرة هذه المؤسسات على احتواء هذه الخبرات ام انها مؤسسات طاردة للخبرات والمهارات، الاكثر ترجيحا هو الخيار الثاني وذلك لاستاتيكية هذه المؤسسات وثبات سواء بنيتها او مقوماتها او افكارها وحتى الاشخاص فيها، لا تجد في هذه المؤسسات التي هي انعكاس لثقافة المجتمع ما يسمى بتدوير السلطة أو تقاسم السلطة أنما الامور تصبح احيانا كثيرة عملية وراثية/مشيخات .. الخ من طرق بقاء السلطة في اطار ضيق لا يحاد عنه وذلك لارتباط السلطة ليس بالوجاهة الاجتماعية فقط وانما بالقوة الاقتصادية والسياسية ووو....

عودة الى الفكرة التي جرفني عنها التيار بعيدا، الفكرة هي عمل برنامج تلفزيوني أو اذاعي لاستضافة هذه المخرجات من الدراسات العليا ومناقشة دراساتها وبحوثها وما توصلت اليه وكذلك مناقشة المفاهيم والاطر النظرية والعلمية التي انطلقت منه تلك النظريات، كذلك مناقشة اهم ما توصلت له هذه الدراسات وبالتوازي يمكن لمؤسسات كالتعليم العالي او مجلس البحث العلمي أو الجامعة ..ألخ ان يبتكر وحده او دائرة لمتابعة تلك البحوث والدراسات واستخلاص اهم النتائج وموافاة الجهات ذات الاختصاص بها.