الثلاثاء، 21 أبريل 2020



عن رواية مقتل بائع الكتب لسعد محمد رحيم






                        اقتنيت الرواية في هذه السنة 2020 من معرض مسقط الدولي للكتاب. وهي رواية تحمل رقم الطبعة الثالة عشرة، كانت ضمن أكداس الكتب التي اقتنيتها من سنوات ولم اجد وقتا لقراءتها، في الحجر المنزلي بسبب جائحة كورونا بدأت بها أمس وأنهيتها اليوم، كلما غصت بالرواية اكتشف كاتبا بارعا وجميلا، قبل الفصل الخامس بحثت عن الرواي في تويتر والعم جوجل لاسجل ملاحظاتي للكاتب في نقاط مختلفة كنت كعادتي ارسم تحت جملها خطا أو علامة ما، وجدت موقعه في تويتر واضفته لحسابي، في صفحته اكتشفت ان الكاتب الجميل الذي يبحث بصيغة الرواي في الرواية سبب مقتل بائع الكتب قد مات أيضا في العام 2018 بسكتة قلبية، احزنني الخبر واحسست بفقد ما، رغم اني لم التقه سابقا أو اقراء له.

                         تفاجأت في الفصل الثامن للرواية بعودة الحياة والنقد الدراماتيكي لسيرة بائع الكتب المقتول كتقييم للمشهد وسيرورة الحكاية في الرواية، أيضا هذا الفصل يحكي عن تقييم تجربة المرزوق من وجهة نظر أحد اصحابه الذي ابتعد عنه واكتشف الضباب الذي كان يعمي بصيرته، ربما بصوت حاقد أو ناقم او ناقد موضوعي ولكن ما يجعل هذا الفصل مهما في رأيي ومن خلال تجارب مشابهة هي القدرة التقييمية لبطل الرواية؛ ايضا القدرة على نقد التاريخ والصورة النمطية لابطال ربما توهمنا انهم مثال لابطال نضال أو معتنقي أفكارا تغييرية للواقع والمعاش وبمعنى اكبر لاشخاص ربما يحملون حلما ورؤية وهم غير ذلك او لم يكونوا هكذا ابدا، وددت لو استطيع ان اهدي كافة اصدقائي او من كانوا اصدقائي يوما - وتبعنا كالمجانيين فلان او علان على انه الايقونة والنقطة المركزية وهو المحرك وكم يكون محزنا بعدها رؤية الحقيقة عارية – نسخة من الفصل الثامن من هذه الرواية.

                    نقطة اخرى ضمن نقاط اثارتها الرواية ولها اسبابها الدراماتيكية والاجتماعية والسياسية والثقافية، نقطة مهمة لا زلنا نعاني منها الى اليوم، لا نزال اسرى الاخر المختلف حتى في اقرب الأشياء للانسان، كم هو محزن ورخو وعقيم هذا الوضع الانساني، وجد الراوي عبر المرزوق بطل الرواية أن الاخير لم يعرف الحب او هكذا التبس على بطل الرواية الا مع بنات الغرب والمدن الغربية التي تنطبق عليها اشياء كثيرة منها الجيد ومنها الغير جيد كمدن تحب الحياة بينما لا تزال مدننا وانساننا يضغطه الحمل الاجتماعي والثقافي والديني عنها، توجد اشارات بالرواية حول موسم الهجرة الى الشمال للطيب صالح وهي تحكي قصة الرجل الذي يجد في الغرب اشباعا لما ينقصه بينما يغلف المجتمع الشرقي الموت لكل طريق في محاكاة الحب الغربي، لا ينجر الكاتب رحمه الله الى تعريفات الحب ولكنه يرسم الصورة النمطية التي تعيشها المجتمعات الشرقية الى اليوم في صدامها مع المفاهيم واحتياجات الانسان، ان رسم صورة الحب على ذلك المنوال من العلاقات المفتوحة لا يمكن له التحقق الكامل في ثقافتنا وعلى حدود تاريخنا وما يحركنا، ذلك الجانب المظلم من ذواتنا وعدم القدرة على المكاشفة به مع ذاتنا قبل الاخرين، نسميه جنون وخيانات ونسميه حب وشغف وغيرها من التوابل وهي تخضع لاحتياجات الحيواني قبل الانساني فينا، قبل ايام ذكر صديق انه شاهد "انجليزية" او انها "امريكية" وقد وصفها بالغربية الشقراء في مقهى وسرعان ما حاول أن يتعرف عليها ولم تكن حسب توقعاته بأن تفتح وتستهل الحديث معه كأنه صديقها الاقرب، لماذا هذا الهروب، لم أشأ أن اقول له عقدة الخواجه، ولو أنها ولو في جانب منها حقيقه، انه يبحث في تخيل ما رسمه له الاعلام والتعليم والسينما والتلفاز ولو لم يكن حقيقيا، لقد ابتعد عن مكانه الصحيح في سعي عادة لا يكون متوافقا مع ما هو عليه ولا يمكنه ولو أراد الانخراط من شرقيته وأناه التي لا يحب ولا يرضى فانه لا يمكنه ان يكون اشقرا مثلهم ليس في اللون فقط وانما في السلوك والمفاهيم والاعراف والتقاليد والثقافة عموما.
               

                      المنحى عادة هو ان ابطال الروايات يجدون الحياة والحب والاحتضان وو.. في الغرب ولو في رسم علاقتنا بذلك المختلف حتما هو رسم له ابعاده الاجتماعية والثقافية والحضارية وهو ايضا توثيق لتاريخانية اللحظة وجبروتها، وهذه نقطة مهمة لم تتغير قبل كتابات طه حسين والمنفلوطي ومع الطيب صالح ومع سعد محمد رحيم، انه الثقب\النقص الجارف او من جهة اخرى الطغيان الاصولي او التقهقر المجتمعي الثقافي، سمه ما شئت ولكن لتكن نقطة اصيلة في حضور المتابع.

                     اعجبتني الرواية لاضائتها ولو بصورة بسيطة ما حل ببعقوبة وبالعراق، انها توثق من وجهة نظر القارئ لرؤية كاتب أجاد رسم المشاهد وتفاعلاتها واثارها، انها ليس مقتل بائع الكتب فقط وانما مقتل الحياة باختلاف الازمنة والتجارب التي مرت بها تلك البقعة الغالية علينا واسمها العراق، مقتل الانساني والجميل فينا.