الاثنين، 2 يناير 2017

طاقات الدراسات العليا المهدرة


من الحكم العملية التي ربما تتناسب أكثر مع الوضع الراهن تلك الحكمة التي تقول "دائما لا تبني طموحات عالية". الطموحات العالية تبني احيانا على الجانب النظري أكثر عن الجانب العملي والتطبيقي. نجد مثلا في التخطيط ان شعار شركة ما شعار منافس وجد حالم أو مستقبلي، في حين ان الحقيقة غير ذلك، الواقع امر مختلف وتطبيق ذلك الشعار هو نوع من الخيال المحض، يصبح هناك فراغ كبير بين النظري والتطبيق، بين الواقعي والحلم. يتجلى ذلك الفراغ في عدة مستويات تصل أحيانا بين هرم السلطة التنفيذية في مؤسسة ما وبين ليس المتلقين فقط وانما الدرجات المتوسطة والسفلى في القيادات داخل ذات المؤسسة.


ما سبق مقدمة سريعة لموضوع ما تضعه من أهداف وطموحات وبين ما يمكن تحقيقه سواء على المستوى الفردي او على المستوى الجماعي كالمجموعات او المؤسسات. بما ان العلم عملية تراكمية تكون أكثر نجاحا حين يتم ربطها بالمجتمع وبالتالي يربط العلم بالمجتمع وهذه عملية أخرى ضمن سلسلة ربط المعرفة بالمجتمع.

سألني صاحبي الذي تعرفت عليه مع مقاعد الدراسة وبين أروقة الجامعة عن رسالة الماجستير التي اعددتها رغم جدة وحداثة واهمية موضوعها إذا كان أحد ما قد سأل او ألتفت اليها أو أنها يمكن أن تكون قد أضافت شيئا أو غيرت أمرا، لم يتفاجأ كثيرا عندما نفيت أن كان أحدا ما قد سألني عنها أو حتى عن موضوعها، طبعا هو أيضا يشاطرني هذا الهاجس الذي بسببه أفنى سنة من عمره الأكاديمي والبحثي لتطوير قطاع ما في عمله وعندما عاد لم يسئله أحد ما أو حتى يستمع له.

تضيع هذه المعارف والخبرات البحثية هباء دون النظر اليها او محاولة ربط سياقاتها بالمجتمع لكي ينمو ويخضر أكثر في حين ان السياقات العلمية والأكاديمية والمجتمعية تبقى ثابتة يتغير العالم من حولنا بسرعة مدهشة.

الخبرات والمعارف الاكاديمية التي تؤسس للواقع لا تعمل هنا لعدة أسباب من أهمها اهمال دور العلم والمعرفة وجعل دورها في اخر ركب القافلة والسير على العادة والطريقة القديمة. لا تزال الأمور والأوضاع تدار بالعقليات القديمة وبالطرق القديمة وبالأساليب القديمة، تموت المعرفة والعلوم عند اقدام الجهل النابت والمترسخة جذوره، كل شيء يحاصر المعرفة والتطوير والبحوث والإفادة منها. هناك طرق شتى مختلفة للافادة من تلك الدراسات والبحوث سواء على الصعيد العملي ام الاكاديمي او الصعيد الشخصي المعاش، انها نوع من ثراء الحياة والاهتمامات، في اقل التقدير القدرة على توزيع كثافة مجالات البحوث والدراسات لمناطق الاهتمام المختلفة والخروج بدراسات حول تلك المسارات النظرية والتطبيقية. ربط العلمي بالعملي المعاش والذي عادة يحاول ايجاد حلول لمشاكل أو صعوبات او تسليط الضوء على ظواهر معينة او مختلفة.

 فما جدوى تكملة الدراسات الجامعية من مرحلة الماجستير او الدكتوراه في حين عدم وجود مؤسسة تعنى بجمع هذه البحوث والدراسات المتفرقة والتي تعتبر من اهم الكنوز القومية إذا كانت تسلط الضوء على ظواهر ومشكلات محلية ووطنية وتطرح لها اقتراحات وحلول، في اعتقادي الشخصي ان هذه البحوث والدراسات اهم من الوثائق والمخطوطات التاريخية لأنها تعنى بالحاضر وبالواقع ولأنها أيضا تساهم او يفترض انها تساهم في البناء الحديث لمجتمعات تنمو أو يفترض انها تنمو أو تسعى لان تنمو على الأقل. 

أيضا يرتبط اقتصاد اليوم بالاقتصاد القائم على المعرفة وفي حين تنفق الدول المتقدمة نصيب وافر من ميزانياتها في دعم وتطوير البنية البحثية والأكاديمية وطرق ومؤسسات الأبحاث والدراسات نجد ان هناك دولا تعتبر هذه المعرفة اخر أولوياتها حيث لا تجد للخبرات العلمية بها أو المهنية وكذلك للبحوث التي تزيد من المعرفة في هذا الجانب الا المخازن.

الأسئلة مشرعة أبوابها حول الاستفادة من الخبرات والدراسات وما توصلت اليه والتي بالتأكيد تسير في سياقات معرفية تدعم التطور والنضج والفهم للظواهر والقضايا والمواضيع المختلفة. كيف يمكن تفعيل دور الدراسات العليا في المجتمع وكيف يمكن الاستفادة من نتائجها وتجاربها في تحديث وتطوير البنية الإدارية والفنية والعملية لقطاعات الاعمال؟ وهل هناك اهتمام فعلي ومؤمن بهذه الدراسات العليا وفاعليتها؟ أم سيظل هذا القطاع غير فعال ومهدر لطاقاته وامكانياته.

سأقدم هنا مثالا لفكرة يمكن ان تساهم في نشر الثقافة العلمية في المجتمع، فكما هو معروف بأنه خلال السنوات العشر الماضية نشطت البعثات الخارجية للطلبة في مجالات الدراسات العليا بمرحلتي الماجستير والدكتوراة، ايضا تعددت المشارب والاتجاهات التي تم ارسال تلك البعثات اليها، تلك البعثات هي احدى الجوانب التي يفترض بها ان تعود وتضيف لقطاعتها من افكار ومشاريع وخبرات جديدة، ينبع عندها سؤال من قبيل قدرة هذه المؤسسات على احتواء هذه الخبرات ام انها مؤسسات طاردة للخبرات والمهارات، الاكثر ترجيحا هو الخيار الثاني وذلك لاستاتيكية هذه المؤسسات وثبات سواء بنيتها او مقوماتها او افكارها وحتى الاشخاص فيها، لا تجد في هذه المؤسسات التي هي انعكاس لثقافة المجتمع ما يسمى بتدوير السلطة أو تقاسم السلطة أنما الامور تصبح احيانا كثيرة عملية وراثية/مشيخات .. الخ من طرق بقاء السلطة في اطار ضيق لا يحاد عنه وذلك لارتباط السلطة ليس بالوجاهة الاجتماعية فقط وانما بالقوة الاقتصادية والسياسية ووو....

عودة الى الفكرة التي جرفني عنها التيار بعيدا، الفكرة هي عمل برنامج تلفزيوني أو اذاعي لاستضافة هذه المخرجات من الدراسات العليا ومناقشة دراساتها وبحوثها وما توصلت اليه وكذلك مناقشة المفاهيم والاطر النظرية والعلمية التي انطلقت منه تلك النظريات، كذلك مناقشة اهم ما توصلت له هذه الدراسات وبالتوازي يمكن لمؤسسات كالتعليم العالي او مجلس البحث العلمي أو الجامعة ..ألخ ان يبتكر وحده او دائرة لمتابعة تلك البحوث والدراسات واستخلاص اهم النتائج وموافاة الجهات ذات الاختصاص بها.


                                                                                             





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق