الخميس، 7 أكتوبر 2021

 رحلة صحار أو السندباد العماني

 

          استمتعت خلال الأيام الماضية بقراءة كتاب "رحلة السندباد" لتيم سقرن في طبعته الثالثة 2017م وبترجمة الدكتور سامي عزيز واعدد محمد كمال وذلك عن منشورات وزارة التراث والثقافة بسلطنة عمان، حيث يسرد تيم سقرن تجربة الرحلة التي قامت بها سفينة عمانية عربية تخلو من أية مسامير أو حديد وإنما بالألياف والحبال المصنوعة من قشر جوز الهند وأخشاب الأشجار فقط من ميناء قاعدة سعيد بن سلطان بالمصنعة وصولا إلى ميناء كانتون بالصين في فترة استغرقت ما يقارب السبعة شهور في إعادة وتمثيل لسفن العمانيين والعرب ورحلاتهم وتجارتهم مع اقاصي البحار السبعة والصين ورسم طريق الحرير البحري، الرحلة تمت في عام 1982، يسرد الكاتب تيم سقرن بدايات الفكرة وتطورها، دعم وزير التراث والثقافة آنذاك السيد فيصل بن علي ال سعيد وترحيب دعم المغفور له جلالة السلطان قابوس للفكرة ونجاحها.




          يسرد تيم بشغف وبأسلوب جميل في أربعة عشرة فصلا مسار الرحلة الشهيرة التي أعتقد إنها لم توفى حقها الحقيقي من التعريف، لقد سمعت عنها، لقد شاهدت بعض المقاطع والمشاهد المرئية لها، لكني لم أفهم كل ذلك جيدا، الكتاب الذي مر بين يدي يعطي لقارئه تلك البصيرة والإحساس بعظمة وجمال المنجز، بصعوبته وتحدياته، ينقش صفحة أخرى من مسيرة وحضارة العرب القديمة ويعيد لها رونقها، الكتاب يعطيك وصفا دقيقا ويسد ثغرات المعرفة كما كان يسد البحارة العمانيون الفتحات التي احدثتها الرحلة في بدن المركب بشحم الأغنام.

        

      الحدث نفسه في عام 1982، كان ناجحا وبإمتياز، ربما اخفى الكاتب بعض الأمور ولكن أوضح الكثير مما ينير ويوثق تلك الرحلة العجيبة، انه يؤكد قدرة العمانيين على العمل والابتكار وصناعة الروح التي تقدم الأفضل، البحارة العمانيون يختلفون عن بحارة موبي ديك لهرمان ميلفل، إنها الروح التي تعشق المغامرة والانضباط والتفاني، الروح التي تحمل هويتها وسماتها الإيجابية في اشد المواقف حلكة وسوادا، عن التعاون والتفاني والقدرة على التأقلم وحب المغامرة.

          الحدث نفسه الذي نجح في 1982 لم يكن لينجح لولا كمية الإصرار ووجود الفريق الصحيح والمتعاون لإنجاحه ولولا المتابعة الجادة والدعم الكامل للوصول لنقطة النهاية في المشروع، ان القارئ للكتاب سوف يستطيع بمقارنة بسيطة وبتتبع بسيط معرفة أسباب عدم نجاح مشاريع مماثلة فيما بعد عام 2000



          ينتقل الكاتب ربان السفينة في كتابه وبما يشبه المذكرات في أسلوب سرد شيق من فصل لاخر بسهولة ويسر، فمنذ البداية يعيد الربان الكاتب قصص الف ليلة وليلة العربية وقصص السندباد إلى الاذهان، ويتساءل عن إمكانية وطبيعة تلك السفن العربية التي لا تستخدم أيا من الأدوات الحديدية في جسمها كالمسامير والروابط والاساسات والصواري وهي التي استطاعت ان تنير الشرق في رحلاتها خلال ما يزيد عن الف عام من التجارة والنجاح والازدهار، ويقارن بينها وبين السفن الاوربية ولماذا اندثرت الأولى وصعدت الثانية ومتى شوهد اخر سفينة على منوال السفن القديمة تمخر عباب البحار العميقة والمحيطات الواسعة، تصارع الأعاصير والامواج العاتية والليالي المظلمة، هل قصص السندباد العربي لها ما يؤكدها ام هي نسج خيال لرحالة عابرين؟

         

        استطاع الربان الكاتب ان يجيب على كل تلك الأسئلة بوقائع التجربة، مرورا بألف ليلة وليلة وساحل المالابار والعمال الذين صنعوا السفن وبحارة عمان وبحر العرب وجزر الهند وكلكتا وسرنديب وملقا وبحر الصين الجنوبي والاستقبال في كانتون. استطاع الكاتب ان يصف الاحداث اليومية والناس وطبيعتهم والموانئ وطبيعة العمانيين وطبيعة الهنود وتفسير لبعض قصص السندباد ومقارنتها واعاصير بحر الصين والرياح الموسمية وكيف كانت سومطرة وجزر الملايو وجاوه وسنغافورة، كما استطاع الكاتب الربان أن يمتعنا بقصص بعضها طريف وآخر مخيف، قصة شامبيه الطاهي مثلا والذي كان لا يعرف من فنون الطهي شيئا وكيف انتهى به المطاف، قصص العلماء المرافقين للرحلة، قصص أولئك البحارة العمانيون الشجعان.

          

        في اعتقادي ان مروري مصادفة بهذا الكتاب جعلني افكر في إمكانية جعله احدى كتب القراءة الواجب المرور عليها في نظامنا التعليمي سواء المدرسي او الجامعي أو التساؤل عن إمكانية معالجته وبناؤه دراميا والخروج بفيلم سينمائي عن الرحلة كالفلم الجميل لرواية موبي ديك، بالإمكان الاستفادة من تلك الرحلة، رحلة السندباد، بطريقة او أخرى بوسائل حديثة، أن تستثمر إعلاميا أو تجاريا، فمثلا وأنا أطرح هذا من قبيل توارد الأفكار، ما الضير لو أن مثل هذه الرحلة كانت شعارا ومنتجا لجناح السلطنة لمعرض أكسبو في دبي لتؤكد عمان للعالم بأنها بلد اللوجستيات والتاريخ والاقتصاد القادم، متى ما تضافرت الجهود وفتحت العقول لاستقبال الجديد والمختلف ربما من أفكار الشباب كان سهلا التقدم للأمام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق