الأحد، 10 فبراير 2019

كائنات ردة سليمان المعمري



سلطان العزري

صدرت ضمن سلسلة كتاب نزوى للقاص سليمان المعمري مجموعة قصصية زين غلافها كلا من هلال البادي وفجر الريامي، لا اعرف تلك الصيغة التركيبية لمحتوى الغلاف، في اعتقادي لو أكتفى الغلاف بالرسمة لكفى ، في اثنى عشر نصا خاص المعمري تفاصيل ذكرياته عن قريته الردة، الردة هو اسم قرية تقع في ولاية صحم ضمن ولايات شمال الباطنة وتقع على خليج عمان، كما انها تمتد في العمق والداخل لتصل لجبال الحجر الغربية العملاقة بما تضمه من مناطق وقرى وارياف وبشر وحيوانات وقصص، اختار المعمرى الحديث عن القصص التي صاحبت طفولته وشبابه وكأنه يحاول ان يستعيد شيئا من صورة القاص في شبابه( بعيدا عن جيمس جويس في صورة الفنان في شبابه) مقاربا بدايات التشكل والذاكرة بعين القاص التي اشتهر بها سليمان في التقاطات خاصة وأيضا مهمة لنصه القصصي، استطاع المعمري في (لا أسكن الردة) وهو عنوان قصته الأولى أن يستفيد من البيت الشعري الشعبي المشهور الذي ينهى عن السكنة هناك، موظفا إياه بصورة جميلة وناقدا له وكأنه مبارزا أراد ان يثبت ركاكة البيت من حيث المعنى ومدى ما تتميز به قرية الردة من جماليات لا يتصورها أو يعرفها الشاعر ومارا خلال ذكرياته على تسجيل القصص الأولى له وعلاقته بالمكان/ الردة كما يحاول ان يكون ذلك المؤرخ الحصيف في تحول الردة من طفلة صغيرة الى صبية ناهدة، العبارة الأخيرة من نص القصة ذكرني بالأعشى إذ يقول: قدْ نهدَ الثّديُ على صدرها, في مشرقٍ ذي صبحٍ نائرِ. لوْ أسندتْ ميتاً إلى نحرها، عَاشَ وَلَمْ يُنْقَلْ إلى قَابِرِ.



يوثق سليمان المعمري في نصه الثاني المعنون برماد شوزيت في قصة من قصص العمالة الوافدة على المجتمع وعلاقته بالناس والشارع الذي يعمل فيه، يبرز القاص هنا علاقة العمانيين المعتادة مع الوافدين في الفترة الماضية على الأقل ورابطا لقصص وحكايات هذا الحلاق الي لقب باسم دلال والمكانة التي يكنها له القاص او السارد وعلاقته به.

في قصته الثالثة "هتلر في الردة" وبأسلوب المعمري الساخر وشيء من الكوميديا السوداء يسرد الكاتب قصة مرشح عضو مجلس الشورى والحملة الانتخابية التي تقود بعضهم الى الفوز، الجميل في هذه القصة ان المعمري ربما من حيث لا يدري او من حيث يدري ولا يصرح  بذلك يرسم ويصور ويوثق مسار الانتخابات لمجلس الشورى العماني وهو نظير المجالس البرلمانية في دول أخرى ويمكن أن يعبر عن التجربة الديموقراطية في البلد ومسارها ومدى قدرتها وقدرة السياقات ومنظمات المجتمع المدني لتأطيرها وتفعيلها أو مدى بؤسها وهشاشتها أيضا، كما ان قصة هتلر الردة ذاتها تعكس نوعا من التعاطي الكوميدي مع موضوع مهم في مسيرة برلمانات وشعوب أخرى تحدد هويتها ووجهها القادم بينما تظهر في هذا النص على انها مجرد نكته سمجه ومقلب ثقيل.
من خلال قصص المعمرى الأخرى في المجموعة يبين القاص مدى تفاعل كائنات الردة، هذه الحيوات التي ترسم نهجها وحياتها الخاصة، البعيدة عن التمدن كما يرسمه النظام العالمي للتنمية المستدامة في تعريفه له، لا تزال الحياة تحمل بين احشائها العديد من المفارقات والقصص، من خلال هذه المجموعة تستطيع ان تتلمس التغيرات الجغرافية والسوسيولجية لمجتمع النص، انه توثيق وإرادة لبعث القصص التي غطاها الرماد ولكن بعين القاص، قد لا اتفق مع القاص في ان نهايته لا تمتلك تلك الحدة او لنقل ذلك المسار المتوقع او غير المتوقع واحيانا تمتلك مسارا بسيطا وغير مفارق، هذا يبقى للقاص ذاته ولرؤيته لسيرورة الشخصيات في النص، أيضا قد يقول قائل ان النص لا يزال في القرية وحول القرية ولم يخرج للمدينة وزخمها وو..ألخ، ولكن هذا التيار الذي سمعته مؤخرا ويظن انه نتاج المدينة أقول لماذا لا تنتج قصص المدينة ولماذا لا تنزل من برجك العاجي بالمدينة لازقتها وحواشيها وبيوت عمالها، حاول المعمري ان يرسم نافذة وقد يكون نجح او لم ولكنه حاول ذلك... أيضا سريعة، عندما قرئت مجموعة سليمان الأشياء تبدو  أقرب في المرآة وجدت نصا ولغة وشيء آخر يمكن أن أسميه الحلم أو الهذيان ولكني لم اجد ذلك في هذه المجموعة.

هناك تعليق واحد:

  1. تبحرنا في عالم جميل ؛ونتشوق الى قراءة القصة..

    ردحذف